عاد "كريم" من عمله في الوقت المعتاد وبدأ يصعد درجات السلم متوجهًا نحو بيته، ممنيًا نفسه بوجبة ساخنة وفراش مريح أعدته له زوجته الحبيبة "صفاء".
كان "كريم" يرسم في مخيلته صورة رائعة لزوجته وهي تفتح باب المنزل مرتدية فستانها الوردي الذي يعشقه، ورائحة عطرها المميز تنشر عبقها في كل أرجاء البيت.
ظل "كريم" مبحرًا في أفكاره وأمنياته ولم يدرِ بنفسه إلا وهو يقف أمام المنزل ويضغط جرسه ضغطة مميزة تعرفها زوجته.
وتناهى إلى سمعه خطوات زوجته المتسارعة نحو الباب تدفعها أمواج اللهفة والشوق إلى لقاء زوجها الحبيب.
فتحت "صفاء" الباب وابتسامة متألقة ترتسم على ملامحها الرقيقة، ومدت ذراعيها تحتوي حبيب عمرها وتضمه إلى صدرها الحنون وتبثه عطرها ممزوجًا بعشقها.
ثم تناولت منه حقيبته وهمست في أذنه قائلة: (كيف حال حبيبي اليوم؟).
أجابها "كريم" بابتسامة رقيقة وهو يتأمل فستانها الوردي: (بخير حال يا حبيبة العمر والحمد لله، كان العمل على أفضل ما يكون، وعما قريب سأنال الترقية التي وعدني بها المدير).
تهللت أسارير "صفاء" وهتفت في فرح طفولي: (الحمد لله يا حبيبي، إنك تستحق ذلك وأكثر منه، فأنت مجتهد في عملك، ودائمًا ما تطور من نفسك وتزيد من إمكاناتك، ولابد أن يكافئك الله على هذا المجهود).
مسح "كريم" رأسها بيديه في حنان قائلًا: (لولا أنتِ بعد الله لما حدث لي هذا.
وما استطعت أن أتقدم في عملي خطوة واحدة، فأنتِ دائمًا ما تقفين بجواري في كل مراحل حياتي، وكل نجاح أحققه ستكونين سببًا رئيسيًّا فيه يا حبيبتي).
تلون وجه "صفاء" بحمرة الخجل وأطرقت برأسها قائلة: (بل أنت رفيق دربي ودرة تاجي، وسر سعادتي في هذه الدنيا.
كيف أنسى وقوفك بجواري في دراستي ووصولي للماجستير، وسهرك بجواري، ومساعدتي في الاعتناء بالأطفال، أنت بالفعل زوج رائع).
ابتسم "كريم" وداعب زوجته قائلًا: (ألا يستحق إذًا هذا الزوج الرائع أن يتناول طعام الغذاء قبل أن ينهار من شدة الجوع؟).
ضحكت "صفاء" وأجابته في مرح: (بل يستحق أكثر من هذا أيضًا، فورًا يا حبيب العمر، بضع دقائق ويكون الطعام جاهزًا).
يبدأ الزوجان حياتهما الزوجية السعيدة رافعين شعار: لقد أصبحنا فريقًا واحدًا.
فلنمضي نقتحم الصعاب، وهكذا يبدأ التميز بين الأزواج، فنجد أن بعض الأزواج يسود بينهم نوعًا من الندية والتنافس مما يؤثر على استقرار العلاقة بينهما.
فهذا النوع الأول. أما في النوع الثاني وهو الزواج السعيد، فإن الأمر مختلف، فالزوجان المتحابان ينتقل كلٌّ منهما من نفسية وعقلية التنافس والندية إلى نفسية وعقلية التعاون.
بل (يتمنى كل واحد منهما أن يكون شريكًا للآخر، شريكًا في حياته العميقة، شريكًا في أفكاره ومشاعره وآماله وأحلامه وطموحاته، وكذلك في ألمه وغضبه وحبه وشوقه وذكرياته، حتى لو كانت مؤلمة) [المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل بن محمد محمود، ص(74)].
لمسة حنان: إن نجاح الإنسان في حياته يحتاج إلى مساعدة وتعاون من شريكه، فيقف بجانبه في مواجهة الصعب، في الحُلوة والمُرة، وهكذا تبدأ نسمات الحب في تعطير العلاقة بين الزوجين.
والنجاح (هو التفوق في المجال الذي يختاره الشخص، والذي يناسب طاقاته وإمكاناته، والذي يجلب إليه السعادة والسرور. والنجاح أن يكون المرء في المقدمة يؤدي عمله بنجاح، وأن يكون في مكانه الصحيح المناسب لقدراته وإمكاناته، وأن يطوِّر نفسه، ويسعى نحو الأفضل دائمًا.
ويكون طموحًا مقدامًا لديه حب المغامرة فلا يستسلم للهزيمة، فلا معنى للنجاح إذا انعدم الفشل) [ادفعي زوجك نحو النجاح، عادل فتحي عبد الله، ص(7)، بتصرف يسير].
فإذا كان هذا هو النجاح أيها الأزواج، فإن كل يد تدفع إلى النجاح سيحتاج إليها الإنسان بلاشك، فما بالكم أيها الأزواج عندما يمد الزوج يده لمساعدة زوجته حبيبته، وتمد الزوجة يدها لمساعدة زوجها الحبيب.
تجربة واقعية: تقول زوجة: منذ أن تزوجتُ وزوجي يدرس، وفي الحقيقة؛ هو في نظري رجل عظيم، وصاحب طموح علمي كبير، وعندما كان يدرس في كلية الشريعة كنت أسهر معه ليلًا لمراجعة حفظه القرآن.
وألخص له كتب البلاغة والأدب التي سيدخل بها الامتحان، وأجلس أمامه ليشرح لي، ويكرر ليحفظ، وبعد حصوله على ليسانس الشريعة، التحق بدبلوم الدراسات العليا في إدارة الأعمال، كان يذهب لعمله صباحًا، ثم يحضر المحاضرات مساءً.
ويأتي للبيت مرهقًا متعبًا، ليجدني في انتظاره بالطعام الساخن الشهي. وفي أيام الامتحانات؛ أسهر معه ليلًا ليشرح لي ويذاكر، وأكون بين وجودي بجانبه وبين إعداد وجبات ساخنة، وطبعًا لا ننسى الشاي والقهوة والتمر والكاكاو (لزوم المذاكرة والسهر).
وأحيانًا أحضر الكتب الخاصة بي والمراجع وأجلس بجانبه، أنا أكتب مقالاتي وهو يذاكر للامتحان. ونستيقظ معًا لصلاة الفجر.
وأظل بجانبه إلى أن ينزل من البيت، ثم أقوم بشئون بيتي وأولادي، وتتكرر هذه المشاهد كثيرًا في حياتي وكأنني أنا التي أدخل الاختبارات وأذاكر وأنجح.
وأفرح كثيرًا بنجاح زوجي الغالي، وكأنه نجاح شخصي لي، والحمد لله؛ فقد ساعدني فعلًا على الالتحاق بدبلوم الدراسات العليا في الإرشاد النفسي.
ووفقني الله بالنجاح في هذه الدبلومة، بفضل الله ثم مساعدة زوجي وتشجيعه لي.
مثل رائع: كثيرًا ما كنا نسمع بهذا المثال (وراء كل رجل عظيم امرأة)، وكنا نشعر أن كلمة "وراء" هذه لا تعبر عما أريد للمرأة من دور مع زوجها.
فإن على الزوجة أن (تقف بجانبه وتوفر له ما يجعله قادرًا على مواجهة مسئولياته داخل أسرته وخارجها.
فالمرأة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم شقيقة الرجل، (إن النساء شقائق الرجال) [حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (236)].
إن روح المشاركة والتعاون بين أفراد الأسرة من الأمور الهامة حتى يسعد أفرادها) [حتى يبقى الحب، د.محمد محمد بدري، ص(732-733)].
فالتكنولوجيا يمكن تقليدها، ورأس المال يمكن شراؤه، أما روح التعاون للعمل فلا يمكن نقلها أو شراؤها.
(فمناخ الثقة الذي يدفع البيئة إلى الشحن الذاتي والتعبئة من الداخل، لابد أن ينمو من الداخل، وهذا الوضع ينطبق على الأسرة أو أية مجموعة من البشر) [إدارة الأولويات الأهم أولًا، ستيفن كوفي، روجر ميريل، ص(392)].
إن هناك جوانب متعددة للعلاقات البشرية فيما يتعلق بالجانب العاطفي، وتأتي مشاركة الطرف الآخر في أحلامه كواحدة من أكثر الأشياء متعة وأكثرها تعزيزًا للعلاقة الزوجية.
والزوجان عندما يُكِنُّ كل منهما الحب للآخر، يصغيان لبعضهما البعض ويتعاملان معًا باحترام متبادل، وفوق كل شيء يتسما بالتعاطف، فعندما يشعر أحدهما بسوء يقف الآخر إلى جانبه.
وعندما يُصاب أحدهما بجرح جسدي أو معنوي يخفف عنه الآخر. إلى جانب ذلك (فهما يتشوقان لسماع الأحداث اليومية التي يمر بها الطرف الآخر، والتجارب التي ساهمت في تشكيل حياته.
وهما لا يفعلان ذلك بدافع الإلزام ولكن بدافع الحب) [لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د.ريتشارد كارلسون، كريستين كارلسون، ص(140)، بتصرف].
كوني أنتِ صانعة النجاح: إن الإنسان يشعر بالرضا والسعادة الحقيقية حين يرى من هو بجانبه دائمًا يشاركه أفراحه وأحزانه.
ولا يتخلى عنه، فالحياة الناجحة تقوم على الأخذ والعطاء، وعلى الحب، وعلى الاطمئنان إلى أن هناك من يساند الإنسان ولا يمكن أن يتخلى عنه مهما كانت الظروف.
إن الزوجة الصالحة تشارك زوجها (في أفكاره ومبادئه، وتحاول أن تكون على مستوى اهتماماته وتستشعر جمال أن يعيش الزوجان لهدف واحد، وأن يتطلعا لآمال مشتركة.
وأن تحتويهما منظومة فكرية واحدة كلٌّ يخدمها بطريقته.
أما المرأة التي تعيش في وادٍ وزوجها في وادٍ آخر، لا تهتم بتطلعاته وآماله وطموحاته، ولا بطريقة تفكيره، ولا تشاركه أفكاره ومبادئه، فهي زوجة لا تعرف معنى السعادة الحقيقية، ولا ترى نجاح زوجها هدفًا أو تستشعر معانيه.
وهو إن نجح فنجاحه في مثل هذه الحالة يمثِّل نجاحًا فرديًّا مبتورًا، فالنجاح الحقيقي هو ما يجني المرء من ورائه السعادة في نفسه وبيته ومجتمعه وكذلك في الدنيا والآخرة) [ادفعي زوجك نحو النجاح، عادل فتحي عبد الله، ص(49)، بتصرف يسير]. ماذا بعد الكلام؟
نهدي إلى كل زوج وزوجة هذه النصائح؛ ليدفع كلٌّ منهما الآخر إلى النجاح، وسوف نركز فيها على الزوجة لأهمية دورها تجاه زوجها وأسرتها جميعًا:
- شجعي زوجك على إتقان عمله، فهو أحسن طريقة للتفوق والترقي والنجاح.
- حاولي أن يكون لديكِ فكرة عن عمل زوجك، فيمكن أن يكون لأفكاركِ واقتراحاتكِ أثر فعال.
- توفير الجو الملائم للزوج لمساعدته على إنجاز عمله، فتوفر له جوًّا من الاستقرار والهدوء النسبي، وتُشغل الأولاد في أعمال أو ألعاب هادفة وقت وجود الزوج في البيت.
المصادر: • ادفعي زوجك نحو النجاح، عادل فتحي عبد الله.
• المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل بن محمد محمود.
• لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د.ريتشارد كارلسون، كريستين كارلسون.
• إدارة الأولويات الأهم أولًا، ستيفن كوفي، روجر ميريل.
• حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري.
المصدر: موقع مفكرة الاسلام